#اوتيزم !!
لم تكن تعرف الفرق بين الألف و الياء و لكنها كانت تعرف قيمة البشر..و تمر سنوات و سنوات على زواجها و هي تفعل المستحيل لترزق بطفل و كلما مرت سنة أفزعها هاجس الوحدة حتى بلغت الأربعين و رزقت بطفل رأت في أنفاسه ونس و دفيء..و في يوم ذهبت به إلى الصحة و لم يكن إلا بسنتين فرآه طبيب يتكلم من أنفه و أخذ يقلب في الطفل كأنه سلعة ثم قال# ابنك عنده اوتيزم يا مدام..فهلعت من نظرته و لكنها لم تفهم فسألته بخوف * اوت..أيه! يعني ماله؟! # اوتيزم..اوتيزم..يا حاجة يعني توحد..* م..مش فاهمه برده ماله؟!..# هو ملوش دوا..حاجة عقلية كده..بصي ده مش تخصصي اسألي بره..أخذت الأم ابنها و هي في حالة ذهول و حاولت أن تسأل و لكنها لا جدوى فذهبت بابنها و هي تحتضنه بقوة و كلمات الطبيب تقرع كيانها لم تفهمها و لكنها فهمت أن هناك كارثة ما و لا حل لها فتعثرت في خطاها إثر التفكير حتى وصلت إلى البيت و أجلست ابنها على كرسي أمامها و أخذت تنظر لعينيه التي هربت إلى الأرض..* مالك بس..يعني هيحصلك أيه..مبتكلش بتاكل..مبتسمعش..مش هتتكلم يعني..رد عليا..و انهارت الأم فأخذ الطفل يحرك رجليه و رأسه كأنه يلعب فنظرت له الأم بحنان و احتضنته بقوه *مش هسيبك..أنت مفكش حاجه..ده أنت اللي ليا..متخفش..و الله متخاف..و أخذت تبكي و تبكي..و تمر الأيام و الأم تتأقلم و لا تترك ابنها ثانية..تكلمه و تداعبه و تحتضنه و تسقيه الحنان في أكواب معاملتها..و انتشر في المنطقة أن هناك دورة تدريبية لتعليم العزف على الآلات الموسيقية مجاناً و أن الموسيقى تنمي مهارات الأطفال فسارعت بابنها و اختار له المدرب البيانو..أخذ الطفل يتعلم العزف و كان ماهراً بشكل غريب فطلب منها المدرب أن تبتاع له بيانو خاص ليدربه عليه حتى بعد انتهاء الدورة..فباعت ذهبها و ابتاعته له..و في يوم ما أخبرها المدرب أنه يريده أن يعزف في حفل ما في الأوبرا و أنها مدعوة و لكن ستقف وراء الكواليس..ظنته شيئاً تجريبياً و وافقت و ذهبت بابنها..دخل الفتى على خشبة المسرح و معه المدرب و الأم في ذهول تام وراء الستائر..كل هذا الحشد لمشاهدة ابني يعزف!..و بدأ الفتى في العزف فصمت الحضور و احمرت وجوههم و أطرقوا يستمعون لهذا العزف الملائكي و الفتى لا يهتم بل يعزف و يعزف..يعزف للحياة..يعزف لأمه!..انتهى الفتى فوقف الحضور و أخذوا يصفقون و يصفقون فلم يهتم الفتى و لكنه نظر لأمه كأنه يسألها هي فقط كيف أبليت!..أسرعت الأم إليه و هي تبكي و تصفق و تضحك و احتضنته بقوة و هي تقول * ابني ده..ابني يا ناس..عنده اوتيزم..ده أحسن واحد فالدنيا..و تبكي..و جاء للفتى عقود عمل و حفلات و اشتهر الفتى و لم تتركه أمه يوماً حتى أصبح رجلاً يدرك معنى العمل و الناس و الحياة
و لن تشهد الدنيا قط دواءاً كالحنان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق